نص عالمية الحضارة الإنسانية (الثالثة إعدادي)
المجال: القيم الوطنية الإنسانية
المكون: القراءة
الموضوع: عالمية الحضارة الإنسانية
الكتاب المدرسي: في رحاب اللغة العربية
نص الانطلاق:
تَعْنِي الْعَالَمِيَّةُ النَّزْعَةَ إِلَى إِفْسَاحِ الْفَضَاءِ الْعَالَمِيِّ لِلْإِنْسَانِ، وَإِخْرَاج مُمَارَسَاتِهِ وَأَفْكَارِهِ مِنْ مُحِيطِهَا الضَيِّقِ إِلَى فَضَاءِ أَرْحَبَ يَنْتَقِلُ عَبْرَهُ الْإِنْسَانُ كُلُّ الْإِنْسَانِ بِلاَ قُيُودٍ وَلاَ حُدُودٍ، لِيُصْبِحَ عَامِلاً مُؤَثراً وَمُتَأثراً بالمُحيط الْعَالَمِي كُلِّهِ. وَيَمْضِي التَّوَجُهُ فِي الْعَالَمِيَّةِ إِلَى حَدٌ الْحُلُم بِأَنْ يُصْبِحَ الْعَالَمُ كُلُّهُ لِلْإِنْسَانِ وَطَنَا شَاسِعَ الْأَرْجَاءِ إِنَّ هَذِهِ التَّرْعَةَ قَدِيمَةٌ قدَمَ التاريخ، نَشَأَتْ عِندَ الْإِنسَانَ وَسَكَنتَهُ فَطَرَةً غَرِيزِيَّةٌ، لَمْ تَخْتَصُّ بِهَا فَصِيلَةٌ بَشَرِيَّةٌ دُونَ التَّجْوَالِ أُخْرَى، حَتَّى لَيُمْكِنُ الْقَوْلُ إِنَّ الْإِنْسَانَ وَحَالَةٌ بِطَبْعِهِ لَا يُحِبُّ أَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ فِي مَوْطِنٍ يَقْعُدُ بِهِ عَنِ وَالاكْتِشَافِ وَالاسْتِفَادَةِ مِنْ ضُرُوبِ الْمَنَافِع.
لَكِنَّ نَزْعَةَ الْعَالَمِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَصْدَرُهَا دَائِمَا عِنْدَ الْإِنْسَانِ الْوَافِد عَلَى الْأَرْضِ، أَنْ يَتَطَلَّعَ إِلَى التَّوَسُعِ بِالْقُوَّةِ فِي أَرَاضِي الْغَيْرِ، وَلَا أَنْ يُسَخَّرَ مَنْ يَلْقَاهُ فِي الْأَرْضِ الْجَدِيدَة لخدمَة أَغْرَاضه بوَسَائِل التَّسْخِيرِ الْقَهْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ غَرَضُهَا الاِسْتِفَادَةَ وَالتَّبَادُلَ بِحُكُم أَنْ تَغْيِيرَ الْمُحيط الْمَحْدُودِ الْأُفُقِ، يَخْلُقُ ظُرُوفاً أَكْثَرَ تَنَوُّعاً لِتَحْقِيقِ الْمَنَافِعِ وَالْأَغْرَاضِ الْفَرْدِيَّةِ وَالْجَمَاعِيَّة فَوْقَ مُحيطات أُخْرَى أَرْحَبَ .
وَفِي رِحَابِ هَذَا الْعَالَمِ الْمَفْتُوحِ انْتَشَرَتِ الْقِيمُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ بَنِي الْإِنْسَانِ، دُونَ أَنْ تَتَوَفَّفَ مَسِيرَتُهَا عِنْدَ حُدُود، أَوْ تَعْتَرضَ انْتِشَارَهَا سُلْطَةٌ، أَوْ يَخْضَعَ التَنقُلُ عَبْرَهَا لإِجْرَاءَاتِ الْحَصْرِ وَالتَّقْييد. هَذهِ التَّرْعَةُ الْعَالَمِيَّةُ طَبَعَتِ الشَّرَائِعَ الَّتِي جَاءَتْ لِتَرْبِيَةِ الْإِنْسَانِ لِيَقُومَ بِإِصْلَاحِ الْأَرْضِ. وَمِنْ ذَلِكَ اسْتَخْلافُ الله للْإِنْسَانِ، كُلَّ إِنْسَانِ، فِي الْأَرْضِ لِلنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي الْقِيَامِ بِالْإِصْلَاحِ والتَّعْمِيرِ وَالتَّصَرُّفِ بِالْحِكْمَةِ فِي مَلَكُوت الله الْأَرْضِيِّ. فَهَذَا الْمَبْدَأُ يُلَائِمُ الْفِطْرَةَ الْبَشَرِيَّةَ الَّتِي تَطْبَعُهَا الْعَالَمِيَّةُ وَيَقُومُ عَلَيْهَا، وَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ الْبَشَرِيَّةَ الْعَالَمِيَّةَ بِقَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ الْآيَةُ (13).
وَمِنْ ثَمَّ فَالْحَضَارَاتُ مُلْكُ للبَشَرِيَّة جَمْعَاءَ. وَهِيَ بهَذَا الْمَعْنَى عَالَميَّةُ الْمَضْمُون، التَقَتْ لِصُنْعَهَا أَنْمَاطٌ مُتَمَيِّزَةُ التَّفْكِيرِ وَالْمُمَارَسَةِ، وَطَبَعَهَا إِبْدَاعٌ مُشْتَرَك يُمْكِنُ وَصْفُهُ، دُونَ أَنْ نُخْطِئَ بِالْعَالَمِي.
إِنَّ الْحَضَارَةَ الَّتِي تَحْبِسُ نَفْسَهَا فِي الغلاق يَدبُّ إِلَيْهَا التَّرَاجُعُ وَالانْتِكاسُ، بَيْنَمَا الْحَضَارَاتُ الْمُنْفَتحَةُ هي التِي تَتَنَامَى وَتَتَطوَّرُ وَتَتَنَوْعَ إِبْدَاعَاتُهَا، وَبذَلكَ يَطول عُمُرُهَا وَتَنْتَشِرُ عَبْرَ المَعْمُورِ.
أولا: تأطير النص وملاحظته
1. تأطير النص:
أ. صاحب النص:
عبد الهادي بوطالب، كاتب ومفكر مغربي، وُلد عام 1923 في مدينة فاس. تلقى تعليمه في جامعة القرويين بفاس، ودرس فيها الفلسفة والعلوم الإسلامية. عمل أستاذًا في عدة جامعات مغربية، وأسهم بشكل بارز في الفكر الأكاديمي والسياسي.
شغل بوطالب عدة مناصب دبلوماسية ووزارية في الحكومة المغربية، وكان له دور كبير في السياسة المغربية وفي مجال العلاقات الدولية. اهتم بقضايا الفكر العربي والإسلامي، وكتب العديد من الأعمال التي تناولت قضايا الفكر والفلسفة والسياسة.
من أبرز مؤلفاته:
- العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد.
- نظرات في القضية العربية.
توفي عبد الهادي بوطالب في 16 دجنبر 2009 بمدينة الرباط.
ب. نوع النص ومصدره:
نص "عالمية الحضارة الإنسانية" مقالة تفسيرية. مقتطف من "العالم ليس سلعة" منشورات الزمن العدد 26 - السنة 2001 ص 23 (بتصرف).
ج. مجال النص:
يندرج نص عالمية الحضارة الإنسانية ضمن مجال القيم الوطنية الإنسانية.
2. ملاحظة النص:
أ. قراءة في العنوان:
+تركيبيا: جاء العنوان جملة اسمية تتكون من ثلاث كلمات، تعرب على الشكل الآتي:
عاليمة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه، وهو مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
الحضارة: مضاف إليه مجرور وعلمة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
الإنسانية: نعت تابع لمنعوته في الجر.
+دلاليا: يشير إلى أن الحضارة كمكون إنساني عالمية التكوين، حيث أن جميع الثقاقات والشعوب سامهت في نشأتها.
+بداية النص: تشير بداية النص إلى تعريف وشرح مفهوم العالمية.
+نهاية النص: تشير نهاية النص إلى عقد الكاتب مقارنة بين الحضارة المنغلقة والحضارة المنفتحة، حيث أبرز أن الحضارة المنغلقة يدب إليها التراجع والانتكاس، بينما الحضارة المنفتحة تتنامى وتتطور وتتنوع إبداعاتها.
ج. فرضية القراءة:
انطلاقًا من العنوان وبداية النص ونهايته، نتوقع أن الكاتب سيسلط الضوء على تعريف عالمية الحضارة الإنسانية وتوضيحها.
ثانيا: فهم النص
1. الإيضاح اللغوي:
2. المضمون العام:
تعريف الكاتب لمفهوم العالمية وبيانه لأهميتها في بناء وتقدم الحضارات الإنسانية.
3. المضامين الجزئية:
- بيان الكاتب أهمية الانفتاح على مختلف الحضارات.
- تبيان الكاتب لأهمية التجوال و الترحال في الاستفادة من ضروب المنافع.
- استعراض الكاتب المغزى من تكليف الله عباده بتعمير الأرض و إصلاحها.
- مقارنة الكاتب بين الحضارات المنفتحة والحضارات المنغلقة من حيث التطور والتراجع.
ثالثا: تحليل النص
1. الحقول الدلالية:
الألفاظ والعبارات الدالة على الانفتاح | الألفاظ والعبارات الدالة على الانغلاق |
العالمية، الانفتاح، الانتشار، التجوال، رحالة، التنوع، التبادل، شاسع | الانغلاق، المحدود، الحصر، يحبس، تقيد، الضيق. |
التعليق على الجدول: هناك علاقة تضاد وتنافر بين الحقلين، فالحضارات المنفتحة تؤدي إلى التطور والتنوع بإبداعاتها، في حين الحضارات المنغلقة تتسبب في التراجع و الانتكاس.
2. أساليب النص:
الطباق: الانفتاح / الانغلاق.
التوكيد: إن هذه النزعة
النفي: لا يحب أن يحبس نفسه... لم يكن مصدرها
النداء: يا أيها الناس
التكرار: العالمية، الحضارة، الإنسان
4. مقصدية النص:
المرسل: الكاتب
المرسل إليه: القارئ
الرسالة: أهمية العالمية في بناء و تقدم الحضارة الإنسانية
5. قيم النص:
يتضمن النص مجموعة من القيم من بينها:
قيم وطنية: تتجلى في السعي إلى التقدم و رقي الوطن.
قيم إسلامية: تتمثل في تكليف الله الإنسان في إعمار الأرض وإصلاحها، وتتجلى كذلك في توسيع دائرة التعارف المؤطرة بالتقوى.
قيم إنسانية: تتجلى في ضرورة الانفتاح على مختلف الحضارات.
رابعا: تركيب
النموذج الأول:
تأسيسا على ما سبق يتضح لنا أن نص عالمية الحضارة الإنسانية مقالة تفسيرية تندرج ضمن مجال القيم الوطنية الإنسانية للكاتب عبد الهادي بوطالب، يتحدث فيها الكاتب عن العالمية بكونها نزعة لفسح المجال العالمي للإنسان، ويصف الإنسان بأنه رحالة بطبعه لكونه لا يقهر داخل مجال جغرافي معين، ويحث على أهمية السفر لما له من آثار إيجابية على الفرد من ترسيخ معارف جديدة واكتشافات أخرى، و يختم نصه بالمقارنة بين الحضارات المنفتحة والحضارات المنغلقة.
النموذج الثاني:
من حلال ما سبق، يتبين لنا أن نص عالمية الحضارة الإنسانية مقالة تفسيرية، يفسر فيه المفكر المغربي عبد الهادي بوطالب مفهوم العالمية، بكونها نزعة تسعى إلى تمكين الإنسان من الفضاء الشامل للعالم، بدون قيود أو حدود، حتى يتم تعميم الحضارة الإنسانية، استفادة كل الشعوب منها. و يبرز الكاتب أن هذه النزعة فطرية في الإنسان، زكتها كل الشرائع و القوانين و جعلها الإسلام من أهداف وجود الإنسان على الأرض من أجل تعميرها و التصرف بالحكمة في ملكوت الله الأرضي.