نص الجراد (الثالثة إعدادي)
المجال: القيم الوطنية الإنسانية
المكون: القراءة
الموضوع: الجراد
الكتاب المدرسي: المختار في اللغة العربية
نص الانطلاق:
ذات مساء، كان كل شيء فى القرية يسير فى نفس الخط الذى يسير عليه كل يوم، تماماً كما كان بالأمس وأول أمس، ومنذ عام مضى. عمران يزاول مهمة رفع الماء من البئر بالدلو والبقرة، يقدم لمزروعاته وجباتها اليومية، كان يمشى ويرجع خلف البقرة عبر المجر المحفور فى الأرض. وكان الحبل الذى يجر على(البكرة) تتصاعد منه نغمة حلوة رتيبة، وعمران يغنى، ويستحث البقرة، ويهش عليها بالعصى ولا يضربها ويواصل رحلته التى لا تنتهى عبر مسافة لا تزيد بأى حال عن خمسة أمتار!!
والمبروك الفأس بين يديه، والعرق ينزل من جبهته العريضة. وأنفاسه تتردد مجهدة مبهورة. وهو يعزق الأرض فى بستانه الصغير. والحاج سالم يحرس حقله الذى يموج بسنابل القمح والشعير، يطرد حماراً من هنا. ويصيح فى قطيع أغنام من جهة أخرى، ويرمى بالحجارة سرباً من العصافير نزل فى جهة ما من الحقل، وكل أهل القرية يزاولون أعمالهم اليومية. يتفرقون هنا وهناك. هذا يسوق قطيعا من الأغنام وقد ضاع صوته فى صياحها المتواصل – ما … ماع … ما …، وآخر يشمر عن ساعديه، ويفتح قدميه، واقفاً على حافة أحد الآبار يرفع الماء ويدلقه فى أحواض من الحجر لجماله الكثيرة التى راحت تتدافع وتشرب الماء بنخير عال. فى حين يهمهم هو بصوت مجهد: يا ععم. … يا ههم … يا ههم. كل شيء فى القرية كان هادئاً، طبيعياً ذلك المساء، وفجأة أتى أحد الرجال مهرولاً، وأخذ يزرع صيحاته فى القرية، كأنه الندير، كان صوته مشحوناً بالحرقة واللوعة والخوف وهو ينبئ الناس فى القرية بأن “الجراد” على أبواب قريتهم الصغيرة. إن أرجاله التى لا حصر لها تنام هذه الليلة بالبطاح القريبة التى لا تبعد عن القرية سوى خمس كيلومترات. وكأنما استحال الناس فى القرية إلى مجموعة من المجانين يجرون هنا وهناك فى ذعر وخوف، والبعض من أهل القرية ذهبوا إلى شجيراتهم ومزروعاتهم يكحلون أعينهم بها، ينظرون إليها فى حنين ولهفة، فمؤكد أنها مع شروق شمس الغد ستستحيل على يد الجراد إلى مجرد ذكريات ليس إلا. والحاج سالم ذهب ليقف على رأس حقله ينظر إليه فى حسرة ولوعة، لم يغالب حتى الدمعة التى ترقرقت فى عينيه، ولأول مرة يرى الطيور تنزل فى الحقل فلا يرميها بالحجارة، ويرى الشياه تتقدم نحو الحقل فلا يصيح فيها بصوته المشروخ، كان واضحاً أن خبر الجراد يشل كل شيء فى الحاج سالم.
الحاج سالم وعائلة المبروك وأبناء عمران، وكل إنسان فى القرية، جميعاً لقمتهم فى أشجارهم وزراعتهم التى سيجعل منها الجراد أثراً بعد عين، الجراد الذى سيحيل كل شبر أخضر فى أرضهم إلى جذب وخراب والجراد … الجراد … الجراد … الجراد … وأمام المسجد، كان أهل القرية يقفون فى حزمة واحدة كانوا أحياناً يتكلمون فى صوت واحد. كانت أصواتهم غاضبة. ووجودهم يغشاها حزن عميق. وأيديهم التى نفرت عروقها الزرقاء يلوحون بها فى عصبية ظاهرة. وتمتم رجل عجوز والشعور بالخطر يهز كل شيء فيه اللهم لطفك يا رب. اللهم عفوك يا رب. وارتفع صوت يتساءل فى غضب: والآن ماذا فكرتم لنا يا رجال؟؟ وتبعه آخر: نعم يا رجال، ما العمل يا رجال؟ وانبثقت أصوات كثيرة، إلا أن جميعها تتساءل، كان الجو مشحونا بإشارات الاستفهام التى تعقف رؤوسها فى حيرة، ما العمل؟ ما العمل؟ ما العمل؟
وكان المبروك يغرس رأسه إلى أسفل ولم يقل شيئاً، جسمه فقط كان يتململ فى غير ارتياح وكأنه يجلس على قرية نمل. والمبروك فى الخامسة والعشرين من عمره، جبهته عريضة، ووجهه يضرب إلى السمرة، وعيناه كالشعلتين تعلوها حواجب خفيفة الشعر، والده مات وترك له أسرة كبيرة وبستانا صغيراً يستنزف جهد المبروك اليومى وهو بالكاد يتمكن عن طريق البستان من انتزاع لقمة العيش للأسرة الكبيرة. وكانت الفكرة التى تتردد بين جدران دهنه، تبدو له أحيانا مضحكة. وكان خائفاً من أنه لو قالها لضج الجميع بالضحك، وربما خامرهم الشك فى سلامة عقله. وكان ما يزال يفكر وهو ساهم ساكت. ولكزه أحد الجماعة لينبهه إلى أنهم يسألونه رأيه فى الاقتراح الذى قاله الحاج سالم، والذى يريدهم أن يستعدوا لمطاردة الجراد القادم غداً للقرية، بإحداث صخب وضجة بطرق الحديد، وضرب الدفوف، ودق النواقيس، ورن الزجاجات الفارغة، وعن طريق هذه الضجة الصاخبة سوف تغادر أرجال الجراد القرية بمجرد الوصول إليها وتسلم بذلك القرية. وعندما قال له مزارع طويل … شنبه كذلك طويل : تكلم يا مبروك ما بك. أنت ساكت هكذا لماذا؟ ألم تعجبك فكرة الحاج، أتراها لا تنفع؟
وجد المبروك نفسه، فجأة يقول: نعم … أراها لا تنفع. واستغربت الجماعة. إلا أن المبروك استمر واصلا كلامه، وكأن أحدا لم يقاطعه. فما رأيكم الآن أيها الأخوان فى فكرة أخرى؟ فكرتى هذه … أن نأكل نحن الجراد بدلا من أن يأكلنا هو. ومن خلال الظلام تبادل الجماعة نظرات حائرة. ماذا يقول المبروك؟ وأفصح أحدهم عما يدور فى ذهنه: …لم نفهم …؟ … كيف نأكله؟! وعندما مضى المبروك يوضح فكرته لم يستطع الجماعة أن يغالبوا رغبتهم فى مصمصة شفاههم وتبادل النظرات الحائرة التى غالبا ما كانت ترافقها شفاه مقلوبة وكان مجمل فكرة المبروك التى مضى يوضحها فى خطاب طويل … أنهم فى هذه الليلة وفى الساعات الأولى من السحر … تماما … يجب أن يكونوا مجتمعين فى الطرف الجنوبى من القرية على ألا ينسى كل واحد منهم أن يأخذ معه شوالا فارغاً فأمامهم معركة لم يعرفوها من قبل، معركة السلاح فيها شوالات فارغات، ومن ثم يتجهون إلى حيث ينام الجراد – وهو عادة لا يستيقظ إلا عندما تلهبه أشعة الشمس – وهناك يعبئون الجراد النائم داخل أكياسهم الفارغة حيث يعودون إلى بيوتهم ليسلقوه فى مراجل سوداء ولينتقل الجراد من أجواف الخيش إلى أجوافهم هم وتكون أروع عملية إبادة عرفها تاريخ الجراد.
أولا: تأطير النص وملاحظته
1. تأطير النص:
أ. صاحب النص:
أحمد إبراهيم الفقيه وُلد في الثامن والعشرين من دجنبر 1942، في بلدة مزده جنوبي طرابلس، ليبيا. غادرها إلى طرابلس حيث درس ليحصل لاحقا على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة إدنبرة في اسكتلندا. كاتب وأستاذ جامعي ليبي في الأدب العربي الحديث، ألقى عدة محاضرات في عدد من الجامعات الليبية والمصرية والمغربية وله ترجمات لعدد من الأعمال الأدبية إلى لغات متعددة.
بدأ ينشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية بدأ من العام 1959، فازت مجموعته القصصية «البحر لا ماء فيه» بالمركز الأول في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون بليبيا كما تم اختيار روايته ثلاثية 'سأهبك مدينة أخرىء' كواحدة من ضمن أفضل مائة رواية عربية. عمل في عدد من المؤسسات الصحفية كما عمل سفيرا لليبيا في أثينا وبوخارست. توفي 30 أبريل 2019.
من أعماله:
- "البحر لا ماء فيه" (مجموعة قصصية)، 1965
- "اربطوا أحزمة المقاعد" (مجموعة قصصية)، 1968
- "اختفت النجوم فأين أنت" (مجموعة قصصية)، 1984
- "خمس خنافس تحكم شجرة" (مجموعة قصصية)، دار الشروق، القاهرة، 1997
- "غناء النجوم" (مسرحية)، دار الشروق – القاهرة، 1997
- "مرايا فينيسيا" (مجموعة قصصية)، دار الشروق – القاهرة، 1997
- "في هجاء البشر ومديح البهائم والحشرات" (مجموعة قصصية)، 2009
- "جعفر من باكستان"، 2010
- "في هجاء الطغاة" (مجموعة قصصية)، 2013
- "قصص من عالم العرفان" (مجموعة قصصية)، 2016
ب. نوع النص ومصدره:
نص سردي ذو بعد إنساني. مقتطف من رواية «البحر لا ماء فيه»، ص: 30 – 35 (بتصرف).
ج. مجال النص:
يندرج نص الأغنية الأبدية ضمن مجال القيم الوطنية الإنسانية.
2. ملاحظة النص:
أ. قراءة في العنوان:
+تركيبيا: العنوان في الأصل مركب إسنادي باعتبار المبتدأ المحذوف (هو الجراد).
+دلاليا: الجراد حشرة من فصيلة الجنادب وهي حشرة فتاكة، سريعة التكاثر، تطير وتقفز في أسراب، وتأتي علىالأخضر واليابس، وتسبب المجاعة. فسرب الجراد قد يلتهم في الكيلمتر الواحد حوالي 100 ألف طن من النباتات الخضراء في اليوم وهو لا يكفي لغذاء مليون شخص لمدة سنة.
ب. الصورة المرافقة للنص وعلاقتها بالعنوان:
الصورة تجسد العنوان، وتبدوا واضحة المعالم في الأعلى ، لكنها سرعان ما تتلاشى تدريجيا نحو الأسفل ، وربما قد يكون لهذا الأمر علاقة بمشكل الجراد الذي سيبدأ معقدا وصعبا وسرعان ما سيتمكن أهل القرية من القضاء عليه في النهاية.
ج. بداية النص ونهايته:
+بداية النص: بداية النص تتضمن مؤشرات سردية الحدث الزمان المكان الشخصيات".
+نهاية النص: النهاية تؤكد القضاء على الجراد والتمكن من إبادته.
د. فرضية القراءة:
انطلاقا من مؤشرات النص السابقة (دلالة العنوان والصورة وبدايته ونهايته) نتوقع أن يتناول موضوع الجراد والأضرار التي يتسبب بها.
ثانيا: فهم النص
1. الإيضاح اللغوي:
2. الحدث العام:
حلول الجراد بالقرية ووقعه على سكانها الفقراء، واتخاذهم لعدة تدابير لمكافحته والتخلص منه.
3. الأحداث الجزئية:
- وصول خبر زحف الجراد إلى القرية ووقعه على أهلها.
- اجتماع أهل القرية للتشاور والتفكير في الحل المناسب لصد الجراد والقضاء عليها.
- اهتداء أهل القرية إلى الحل المناسب الذي اقترحه المبروك.
ثالثا: تحليل النص
1. الألفاظ الدالة على توتر أهل القرية وحيرتهم عند سماع خبر مجيء الجراد:
استحال الناس ... إلى مجموعة من المجانين، يجرون هنا وهناك، صوته مشحون بالحرقة واللوعة، خوف، يتساءل في غضب، التساؤل، إشارات الاستفهام ...
2. الخطاطة السردية:
وضعية البداية: توصف القرية وهي تعيش في هدوء وأهلها يمارسون أعمالهم اليومية.
وضعية الوسط: وتتضمن:
الحدث المحرك: وصول خبر اقتراب الجراد من القرية.
العقدة: توتر وخوف أهل القرية، وحيرتهم في إيجاد حل.
الحل: اقتراح إحداث صخب وضجيج لطرد الجراد، أو جمعه في أكياس وأكله.
وضعية النهاية: لم تُذكر صراحةً، لكن يتوقع عودة الهدوء إلى القرية بعد تنفيذ الحل.
3. دراسة الشخصيات:
الشخصيات | أحوالها النفسية | هيئتها الاجتماعية |
---|---|---|
المبروك | التوتر والقلق والخوف والحيرة. | فلاح فقير يتحمل مسؤولية أسرة كبيرة، رغم أنه يمتلك بستانا صغيرا لا يضمن لقمة العيش. |
الحاج سالم | الألم والحسرة والحزن والخيبة. | فلاح فقير لقمته في حقله وأشجاره. |
عمران | الخوف والقلق. | فلاح فقير يعيش على الفلاحة. |
سكان القرية | الخوف والحزن والارتباك والغضب، تحولوا إلى مجانين يجرون ويصرخون ولا يتحكمون في مشاعرهم. | بسطاء فقراء، مصدر رزقهم فلاحتهم وأشجارهم. |
4. البنية الزمكانية:
أ. الزمــــان :
مساء، أول أمس، عام، الساعات الأولى من الفجر.
ب. المكــــان:
القرية، الحقل، أمام المسجد، الطرف الجنوبي…
5. مقصدية النص:
دور الاتحاد والتضامن في حل المشاكل الكثيرة مهما كانت مستعصية.
6. قيم النص:
يتضمن نص قيمة روح التضامن والتشاور في الشدة والرخاء.
ثالثا: تركيب نص الجراد
تدور أحوال هذا النص عن قرية ليبية تنعم بالهدوء والاستقرار والخصب والهناء وأهلها يزاولون أنشطتهم الإعتيادية بجد وسعادة حتى وصلهم الخبر المشؤوم، وهو زحف الجراد على القرية وتحول الشعور لالاطمئنان والسعادة إلى الشعور بالخوف والذعر وخيبة الأمل، حيث اجتمع أهل القرية للتشاور لاجاد حل مناسب لهذه الفاجعة المؤلمة وتجاوزهم للصدمة، وصدهم للجراد ومكافحته قبل أن يقضي على محاصيلهم وثمارهم.
تحضير النص الموالي:
- إشعاع الحضارة المغربية