📁 اخر المقالات

دراسة وتحليل مؤلف رجوع إلى الطفولة لـ ليلى أبو زيد

 


أولا: الحصة الأولى (القراءة التوجيهية)

1. التعريف بالمؤلفة:

ليلى أبو زيد، كاتبة مغربية وُلدت سنة 1950 في إحدى القرى المغربية، عايشت مرحلة الاستعمار وانعكس ذلك في كتاباتها، خاصة في نص السيرة الروائية رجوع إلى الطفولة. اشتغلت بالترجمة والتأليف، بدأت حياتها المهنية صحافية في التلفزيون، وعملت في عدة دواوين وزارية من بينها ديوان الوزير الأول. كتبت الرواية والقصة والسيرة النبوية والسيرة الذاتية، وأدب الرحلة. وترجمت من الإنجليزية للعربية سيرة الملك محمد الخامس والسيرة الذاتية لمالكوم إكس. ترجمت أعمالها إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والمالطية والأردية.

من أعمالها: رجوع إلى الطفولة، وعام الفيل، ورواية الفصل الآخير، ومجموعتان قصصيتان: الغريب والمدير. كما كتبت في أدب الرحلة: أمريكا الوجه الآخر، بضع سنبلات خضر...

2. تعريف السيرة الروائية:

السيرة فن من الفنون الأدبية التي يسعى من خلالها -الكاتب- إلى التوقف عند أهم المحطات من حياته، وقد تكون سيرة ذاتية يتحدث فيها الكاتب عن نفسه أو سيرة غيرية يتحدث فيها الكاتب عن غيره. والكاتبة ليلى أبو زيد في هذا النص تكتب عن نفسها سيرة لكنها  تصب المعاني والأحداث الواقعية التي عايشتها خلال فترة مهمة من حياتها ألا وهي الطفولة، تصب هذه المعاني في قالب وشكل روائي بأسلوب مسحته الواقعية، وتعدد الصور المتمثلة في شكل أحداث وعلاقات أسرية اجتماعية يسودها التنافر والاضطراب في الغالب.

3. دلالة العنوان:

يوحي العنوان "رجوع إلى الطفولة" قبل قراءة النص إلى أن الكاتبة تحاول أن تنبش في ذاكرتها لتبحث عن أحداث ميَّزت طفولتها وبقيت راسخة في مخيلتها وأثَّرت في نفسيتها، وقد تكون غيرت في مسار حياتها. والإنسان من طبعه التذكر واسترجاع أشياء قد مضت مهما كانت سلبية أو إيجابية، لذلك جاء العنوان مبتدئا بكلمة "رجوع"، ومن خصائص (الرجوع) التنقل والحركة ةتغيير الومان والمكان وتجديد الأحداث، فكأن الكاتبة تنتقل من حاضرها إلى ماضيها، من زمنها إلى غير زمنها. لذلك جاء نكرة غير معرفة، ومن خصائص النكرة النفي، فكأن الكاتبة رغم تدوينها أحداثا مضت إلا أن ذلك جاء كسرا، فأنها ترفض العودة إلى هذا الماضي الذي يذكرها بالمآسي والآلام والأحزان. وإن كانت قد عادت بطريقة روائية فنية إبداعية، كأنها تنفي وقوع هذه الأحداث حقيقة. ولذلك نراها تمزج بين السيرة والرواية.

يتكون العنوان من الناحية التركيبية من جملة اسميه، الخبر فيها أتى نكرة والمبتدأ محذوف، وكأن الجملة زقعت فيها خلخلة. أما من الناحية الدلالية، فالكاتبة ليلى أبو زيد متعلقة بطفولتها، ترجع من الحاضر إلى الماضي لما تحمله هذه المرحلة العمرية من آثار نفسية عميقة ساهمت في تكوين شخصيتها. حُذِف المبتدأ رغبة من الكاتبة في أنتنسلا فيه هذه المرحلة السوداء.

4. صورة الغلاف:

صورة الغلاف صورة فوتوغرافية باللونين الأبيض والأسود، نتنتقل من كونها صورة إلى وثيقة تاريخية، تؤرخ لمرحلة مهمة من عمر الكاتبة، ميزت طفولتها وبقيت راسخة في ذهنها، وأثرت في نفسيتها. وهذه الصورة ترمز إلى شيئين:

أ. الأسود: مرحلة الطفولة التي تميزت بالبساطة والخزف من المجهول، تظهر في الصورة طفلتان طفلتان إحداهما تكبر الأخرى، إحداهما تلتفت إلى الوراء وكأنها خائفة من شيء مجهول، وأمامهما ججار، وهو رمز للعوائق والنوائب التي واجهتها العائلة.

ب. الأبيض: الغد المشرق الذي تنشده الكاتبة والحياة الفضلى التي ترغب فيها.

الحصتان الثانية والثالثة: القراءة التحليلية

+الفصل الأول  " القصيبة ":

  • ملخص الفصل:

      ابتدأت الكاتبة الفصل بانتظار الحافلة للتنقل الى" بني ملال" حيث بيت الجد، وهنا تشير الى صعوبة التنقل، كما تصف أشكال السخرية المتبادلة بين الجد من قبل الأم  وعائلة الأب، وتستطرد في سرد قصة جدها الذي ذهب إلى فاس ولم يرقه غذاء الفاسي، وتظهر إعجابه بالمدينيات؛ الشيء الذي ترتب عنه تزوجه من" صفرو" خرقا للقاعدة. 

      وتنتقل إلى السحر الذي وجدته الأم في عتبة الباب، وقد وضع للتفريق بين فاضمة وأحمد، كما وصفت عودة الكلب "رباح"، وتستطرد في قصة أحمد زوج زبيدة الذي خادع صديقه وسرق خزانة الذهب. كما تصف بعد ذلك الأم والجدة والاستعدادات لاستقبال الضيوف (آل القايد الجيلالي) من فاس، وتسهب في وصف الغذاء وكؤوس الشاي وتجاذب أطراف الحديث والغناء. ثم تنتقل للحديث عن قصة اعتقال والدها "أحمد أبو زيد" بسبب نقل أخبار المستعمرين للوطنيين، وكيف نقل إلى" الرباط" مشيا على الأقدام، ومنع العائلة من زيارته، لتنهي هذا الفصل بالحديث عن الصراع بين الجد الذي استولى على فراش الأم لتنتقل هذه الأخيرة إلى المحاكم .

        1) الأمكنة في الفصل:

  المكان الرئيسي في هذا الفصل :" القصيبة " وإن تعددت كالإشارة الى المدرسة والمستوصف والمحطة ...

       2) الأزمنة في الفصل:

    تنقسم الأزمنة الى قسمين : عامة وهي فترة الإستعمار ، وخاصة وهي إشارة الكاتبة إلى : الغد - السابعة والنصف - الفجر - المساء - الصباح  ...

     3) العلاقة بين الشخصيات والأمكنة:

  تتعدد العلاقات في النص بين الشخصيات والأمكنة، وترتبط ارتباطا وثيقا،  نجد مثلا الجدة لاتريد المكوث طويلا عند ابتها في القصيبة وتتشبث بصفرو باعتباره مسقط رأسها ، كما أن الجد رغم تنقله وكثرة سفره بسبب التجارة فإنه كثير الاستقرار ببني ملال.

      4) العلاقة بين الشخصيات:

  تكثر العلاقات بين الشخصيات وتتنوع حتى يمكننا أن نقول : إن لكل شخصية  ذكرت في النص علاقة بباقي الشخصيات .

 1.4) علاقة الأم بالجدة: علاقة حب وعطف وأمومة.

2.4) علاقة الأم بجميعة: علاقة عتاب باعتبار هذه الأخيرة استعملت أحمر الخدود في فترة كانت فيها الأم حزينة على موت ابنتها خديجة .

3.4)  العلاقة بين الأم وكبورة: بغض وحقد وكراهية وعداوة  بسبب عدم تزوج الأخيرة ب "أحمد أبي زيد " ، ثم بين الأم والذين وضعوا السحر للتفريق بينها وزوجها، وبين الأم والجد الذي سارع الى أخذ أمتعتها بعد سجن زوجها. وأخيرا علاقة الكراهية الشديدة بين أحمد أبي زيد ممثلا للوطنيين والمستعمر الفرنسي .

5) القضايا المطروحة في الفصل:

- إيمان الوطنيين بضرورة تحرير الوطن من الاستعمار والتضحية  بالغالي والنفيس.      

- ضعف البنية التحتية في فترة الاستعمار وقلة وسائل النقل.

- الإشارة الى وجود فوارق طبقية بين العائلات.                                                

- معاناة عائلات الوطنيين من جراء ظلم المستعمر.

- الرشوة والشعوذة  والسحر ظواهر نخرت المجتمع المغربي وأثرت فيه.

- تدخل الآباء بشكل ملحوظ في حياة أبنائهم.

- الروابط المتينة التي تربط الأسر المغربية بعضها ببعض من خلال تبادل الزيارات.

+الفصل الثاني  " صفرو":

  •    ملخص الفصل:

        في هذا الفصل، تصل أخبار إلى العائلة مفادها أن أحمد متزوج من امرأة أخرى، وأنها تزوره في السجن؛ لتكتشف العائلة أن هذه المرأة هي " تريا السقاط" كان أيضا زوجها " محمد الآسفي "سجينا ممنوعا من الزيارة،  وكانت تزوره باسم مستعار. ثم تنتقل للحديث عن معاناة السجناء والوطنيين من طرف المستعمر الفرنسي ( النصارة ) .

       ثم تنتقل للحديث عن سجال الأم والخالة "خناتة" حول دخول البنتين إلى المدرسة، وتسرف في وصف عملية الغسيل، والذهاب إلى الحمام يوم الخميس وكرهها له، وتحكي أجواء الحمام والصراع بين النساء والمباهاة والنميمة .

      وانتقلت للحديث عن دخواها المدرسة الخاصة بالبنات، وتفوقها في الفصول الدراسية، وتعلمها صنع عقد" القفاطين "، وذكرت الحوارات التي  كانت تدور بين النساء في مجالسهن حيث لا يتركن موضوعا إلا ويخضن فيه. وتشير في هذا الصدد إلى علاقة أهل صفرو باليهود حيث ساد التسامح بينهم. وتشير إلى مجموعة من القصص المثيرة كقصة الشريفة المتسولة، وقصة الفاسي الذي زوج سيدي محمد عجوزا شمطاء بدل ابنته الصغيرة الجميلة... كما تسهب في وصف السهرات مع الجدة وتبادل الألغاز والحكايات. كما وصفت قرية صفرو وأهم الأحداث التي عرفتها في طفولتها مثل:  فتاة تتزوج من ابن القائد و فتاة تهرب مع حبيبها ...

1) الأمكنة في الفصل:

تتعدد الأمكنة، ويمكن أن نذكر منها : صفرو ، سلا ، الحمام ، المدرسة ، السجن ...

2) الأزمة في الفصل:

تنقسم الأزمنة إلى قسمين: عامة وهي فترة الاستعمار. وخاصة وهي إشارة الكاتبة إلى: الغد، السابعة والنصف، الفجر، المساء، الصباح...

3) العلاقة بين الشخصيات والأمكنة:

 - الشخصيات:

* خناتة: خالة ليلى وهي شخصية رئيسية.

* الشريفة: شخصية عابرة.

* ثريا السقاط: زوجها " محمد الآسفي" من الوطنيين سجين، وهي تشارك أم  ليلى نفس المعاناة.

العلاقة التي تربط بين الشخصيات والأمكنة: علاقة متينة بسبب الارتباط والألفة به.

   أما من حيث العلاقات بين الشخصيات فيما بينها، فهي علاقة حقد وكراهية بين الوطنيين والنصارى ( المستعمر ) يقابلها علاقة المودة بين المتعلمات في الحي، وعلاقة تعاون وتسامح بين اليهود والجدة وأم الكاتبة، وأخيرا علاقة تعاطف بين الأم وتريا السقاط؛ إذ هما في نفس المحنة ( اعتقال الزوجين ).وختاما علاقة صراع بين النساء في الحمام .

 4) القضايا المطروحة في الفصل:

- اضطهاد المستعمر الفرنسي للمعتقلين المغاربة الوطنيين .           

- تمسك الوطنيين بوطنهم وتقديم أرواحهم فداء له.

- التعايش والتسامح بين المغاربة المسلمين وأهل الديانات الأخرى . 

- رفض تعليم الفتاة المغربية بدعوى أنها ستتزوج وتصبح أما.

- إدخال اليهود عاداتهم إلى المغرب. 

- اعتماد العائلات المغربية على الحكي والأدب الشعبي... وسيلتين للترفيه عن النفس.

+ الفصل الثالث " الدار البيضاء ":

  • ملخص الفصل:

      تستهل الكاتبة الفصل بالحكي عن ألمها لفراق صديقاتها، وتصالح أمها مع الجد، ودخولها مدرسة " المعارف "؛ حيث أخذت العربية من منابعها. وتصف أحداث " البيضاء " بين الفدائيين والمستعمر الفرنسي، واعتقال الأب مرة ثانية، ومساعدة الوطنيين الأسرة. وتتحدث عن خروج الأب من السجن وعمله بالبيضاء في " دار البراد " بطريق مديونة في الإدارة مع السي مصطفى، حيث أخذ يوصل السلاح إلى " حسن العريبي " الذي وشى به، ليعتقل أبو زيد من جديد في السجن العسكري، وهنا تصف الكاتبة أوجه التعذيب وأثره على والدها وعلى بنية السجناء،  كما تحكي عن ازدياد "سعاد " وتزامن ذلك مع عودة ابن يوسف ومع الاستقلال، وتعيين والدها "باشا" بني ملال.ثم تنتقل للحديث عن الوطنيين الذين اعتقلوا لوضعهم قنبلة في متجر يهودي، وهنا يتدخل الأب لتخفيف العبء والعذاب عن المعتقلين، فيسجن من جديد، وينتقل إلى" غبيلة " .وتحكي في هذا الصدد دور أمها في إنقاذ السجين المحكوم بالإعدام لقتله المقدم، لينتهي الفصل بالحديث عن الاحتفال بتنصيب أبيها باشا بني ملال، والعقيقة في يوم واحد، وكيف حاول عميد شرطة بني ملال أن ينتقم من الأسرة .

 1) الأمكنة في الفصل:

   تتعدد الأمكنة في هذا الفصل، نذكر من ذلك البيضاء والسجن العسكري، ودار البراد، مدرسة المعارف، مراكز الشرطة، الحافلات والقطار...

2) العلاقات بين الشخصيات والأمكنة:

  الشخصيات الرئيسية في هذا الفصل: الأم والأب، وتحضر شخصيات تختلف أدوارها حسب الأهمية، نذكر منها : حسن العريبي ...

   العلاقة بين الشخصيات يسودها الحب والصداقة بين ليلى وصديقاتها، ويقابل ذلك علاقة الكراهية والانتقام  بين عميد الشرطة وعائلة أحمد أبي زيد .

  3) القضايا المطروحة في الفصل:

- عرض مساهمة المرأة في تحرير البلاد من الاستعمار وذلك بمساعدتها الوطنيين.

- تعرض البلاد العربية الإسلامية إلى الاستعمار .

- الحرب الاقتصادية التي اعتمدها الوطنيون للضغط على فرنسا بمقاطعة منتجاتها.

- تفشي الرشوة بين السجانين وفساد الإدارة.

- وجود عناصر في المجتمعات تستغل الأوضاع للربح السريع.

+ الفصل الرابع " الرباط"

  • ملخص الفصل:

    تستهل الكاتبة هذا الفصل بالسكن ببني ملال ومدرسة محمد جسوس ومدرسها وقسمها الداخلي ومكتبة القسم، وكيف كانت تروي القصص لزميلاتها في الداخلية، ومنع المشرفة لها من الصيام. ثم تحكي عن عطلتها في القصيبة في بيت الحاكم الفرنسي الذي أصبح بيت العائلة، وتحكي عن زيارتها لأحد بيوت أصدقاء الوالي حيث وجدت امرأة وجيهة كهلة قدمت لها هدية في الرباط، غضب أبوها لما رآها، وأعادها لها لأنها سيئة السمعة. ثم تحكي عن انتقال الأب إلى مدينة الدار البيضاء ليستقر أخيرا مع تلك المرأة الموصوفة بسيئة السمعة، ويكتفي بإرسال المصروف مع السائق إلى الأسرة إلى أن سجن من جديد مع مسيري الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة مؤامرة سنة 1963م.

    ثم تحكي عن ثانوية مولاي يوسف وعن الأستاذ " مولاي علي العلوي " الذي كان متحررا مع تلاميذه طليقا يناقشونه في كل شيء خاصة الأمور السياسية، كما تصف الأب وعلى وجهه آثار التعذيب في سجن القنيطرة .

    وتقتطف مجموعة من الآراء للاتحاديين الذين أصيبوا بالصدمة، يعبرون عن آرائهم في الديمقراطية بالمغرب، وموقفهم من حكومة " با حنيني" آنذاك مقارنة مع الحكومة في الجزائر .

     كما تحكي عن الأب الذي اختار العيش مع عشيقته بدل الأسرة، ولم يعد لزيارة عائلته إلا بعد انفصاله عنها، وهنا تصف كيف كانت تدخل مع أبيها في نقاش حاد حول مجموعة من الأمور التي لم تجد لها جوابا حتى بعد وفاة أبيها سنة 1982م.

1) الأمكنة في الفصل:

   أهم الأمكنة في هذا الفصل السجن  سجن القنيطرة بالنسبة للأب، ثم فضاء الداخلية بالنسبة لليلى في الوقت الذي تتعدد فيه الأمكنة: الثانوية، محكمة الاستئناف والمدارس، والرباط بالخصوص حي الليمون.

2) الأزمنة في الفصل:

   تركز الكاتبة في هذا الفصل على زمنين: ما قبل الاستقلال، وما بعده، وتنتهي الأحداث بوفاة والدها.

3) العلاقات بين الشخصيات:

   علاقة تحدٍّ بين ليلى والمشرفة على المطعم، فالكاتبة ترفض الانصياع لأوامرها وتصوم، وعلاقة بغض وكراهية بين الأسرة والمرأة سيئة السمعة التي كانت تربطها بالأب علاقة حب، علاقة انتقاد بين الاتحاديين والحكومة، واضطهاد وقمع بين البوليس السري والمواطنين. 

4) القضايا المطروحة في الفصل:

- بُعد حكومة المغرب عن الديمقراطية الحقيقية وقمعها المعارضة.

- ظاهرة الخيانة الزوجية.

- الوعي السائد بين أطفال المدارس من الناحية السياسية خاصة، وذلك راجع إلى رغبتهم في التعلم والتكوين، يظهر ذلك من خلال إنشائهم خزانة في القسم يتناوبون على قراءتها و يُسْهِمون في إغنائها. كما يظهر ذلك من خلال مناقشتهم لأساتذتهم في مجموعة من المواضيع خاصة السياسية.

- رغم الوسائل التقليدية، يظهر أن التعلم كان منتجا لمجموعة من المفكرين و لطبقة طلابية واعية بحقوقها.

الحصة الرابعة: القراءة التركيبية لمؤلف رجوع إلى الطفولة

        تحكي "رجوع إلى الطفولة" وضعية المغرب بين زمنين : زمن الاستعمار الفرنسي، وهو الزمن المهيمن حكاية والمؤثر خطاباً، ثم زمن الاستقلال الذي ينتهي به النص لينفتح على أسئلة مرحلة الاستقلال، وهو زمن لم يشكل ثقلاً حكائياً وخطابياً، ويحضر فقط كإشارات -لكنها قوية- عن التغييرات التي حدثت لمجموعة من الذين قاوموا الاستعمار ومنهم والد الساردة.

     تشكل الزمن الأول من أحداث اجتماعية وسياسية، تمحورت حول أم الساردة - الكاتبة، وحياتها وترحالها وانتقالاتها بين مدن عديدة بحثاً عن زوجها / والد الساردة الذي كان الاستعمار يعتقله كل مرة.

نلاحظ في مستوى هذه الحكاية أن الساردة – الكاتبة وإن كانت هي الحاكية لنص "رجوع إلى الطفولة"  لأنها المعنية بحكي سيرة ذاتها، فإن ضميرها/ ذاتها لا يدخل مجال النص منفردا،  وإنما ينخرط مع الافتتاح السردي لهذه السيرة في نون الجماعة. تقول : "توقفت الحافلة في الطريق الرابطة بين فاس ومراكش عند علامة القصيبة على حافة منعرج جانبي صاعد في الأطلس المتوسط ونزلنا وأنزل مساعد السائق متاعنا ثم انطلقت الحافلة بسرعة، وقطعنا الطريق" (ص9). ثم بعد ذلك، تقف عند مستوى تسليم دور السرد إلى ضمائر أخرى، فتصبح وظيفتها هي التوزيع والترتيب والتنظيم.

   تأخذ الأم دور الساردة الرئيسية أو الشخصية المحورية، والذات الفاعلة بامتياز في مجرى أحداث هذه السيرة، نبدأ بهذا الشكل نبتعد – تدريجياً - عن شبه المتفق عليه نصياً ونظرياً للسيرة الذاتية، وذلك عندما تتراجع ذات الساردة/ الكاتبة، وتحل محلها ذات الأم وبجانبها ذوات أخرى حاكية مثل الجدة.

    في هذه السيرة تشكل ذات الأم حالة خاصة تنكتب لتوثق للحظة تاريخية من زمن المغرب، لحظة بدأت فردية تخص علاقتها بزوجهات "أحمد أبو زيد" الذي كانت له مواقف ضد الاستعمار الفرنسي، فتم اعتقاله، وبسبب ذلك واجهت مشاكل اجتماعية مع عائلة زوجها مما جعلها تأخذ بناتها وتغادر بيت الزوجية.

      لا شك أن الساردة - الكاتبة ليلى أبو زيد - بمحاولة استعادتها لطفولتها، أرادت استحضار الأم التي صنعت هذه الطفولة، وفعلت في زمنها وتاريخها. وهي بفعل بناء السيرة بهذا الشكل مع طريقة الحكي المعتمدة على استثمار مختلف أشكال الحكي الشعبي (حكايات الجدة، أحاديث النساء...) وكذا الأصوات واللغات الاجتماعية التي ميّزت هذه الكتابة، بإدراج سياقاتها التلفظية ما أغنى هذه السيرة، وجعلها تخلق تنوعها من داخل بنيتهاّ؛ فإن الساردة – الكاتبة أنتجت معرفة جدية حول زمن الاستعمار، ومرحلة من تاريخ المغرب وذلك عندما أخرجت ذات الأم (المرأة المغربية) من الصمت التاريخي وأحيتها سردياً، وأدخلتها المجال النصي ثم دفعت بها نحو الإنجاز الإخباري، فحدث أن حمل هذا الإنجاز أفعالاً أنتجتها الأم فيما هي تبحث عن اكتمال هويتها، لأن دخول زوجها (أحمد بو زيد) إلى السجن جعلها تفقد الآخر الذي به تكتمل، وهذا ما دفع بعائلة زوجها إلى الزج بها في مشاكل كثيرة، فكان عليها أن تخرج وتبحث عن اكتمالها، عن زوجها وذاتها التي أصبحت مهددة في وجودها داخل بنية اجتماعية تحكمها الأعراف أكثر من القوانين.

     بهذا الحضور القوي للأم يتحول رهان السيرة من الحكي عن الخاص والفردي والذاتي إلى الحكي عن العام والاجتماعي، عن الأم والتاريخ، أو بالأحرى عن المرأة - عن النساء - عن دور المرأة في المقاومة.. وفي تجاوز الإكراهات والوصول إلى السجن ومد المعتقلين بالأخبار وإيصال الأسلحة إلى المقاومين، عن دور المرأة المغربية في مقاومة الاستعمار الفرنسي.

ولعل الأم وطبيعة حضورها لم تؤثر فقط في مجرى الأحداث، بقدر ما فعلت في الأسلوب والبناء.

كانت هذه دراسة مؤلف رجوع إلى الطفولة لـ ليلى أبو زيد، مقدمة من طرف موقع: أستاذتي.

Mohamed Ben Chaayab
Mohamed Ben Chaayab
تعليقات