قصة الفأر الضخم:
في قرية هادئة، على أطراف المدينة، عاش فلاح بسيط يدعى عمّ صالح. كان عمّ صالح يعمل بجد كل يوم في حقله، يزرع الخضروات والفواكه ليعيل أسرته. كانت حياة عمّ صالح تسير بسلام، إلى أن بدأت شائعات تنتشر عن فأر ضخم يظهر في القرية. كان الجميع يتحدثون عن هذا الفأر المخيف الذي يهاجم المخازن ويأكل كل ما يجده في طريقه من حبوب وطعام، وكأنّه جيشٌ من الجراد اجتاح المكان.
بدأ القرويون يشكون من نقص المحاصيل، وشيئاً فشيئاً أدركوا أن كل ذلك بسبب "الفأر الضخم". كانوا يتساءلون: كيف يمكن لفأر واحد أن يُسبب كل هذا الدمار؟ قرروا الاستعانة ببعض الصيادين، لكن لم يستطع أحد الإمساك بهذا الفأر أو حتى رؤيته عن قرب. كان الفأر سريعاً وذكيًّا، يتسلل ليلًا دون أن يترك أثراً واضحاً.
لم يكن عمّ صالح متحمساً لفكرة أنّ فأراً ضخمًا قد يكون السبب في كل هذه المشاكل، فقرر أن يضع خطة خاصة لمعرفة ما إذا كانت الشائعات حقيقية أم مجرد خيال. وضع بعض الطُعم في حقله في مكان مخفي، وقرر الانتظار طوال الليل ليرى ما سيحدث.
مع اقتراب منتصف الليل، سمع عمّ صالح أصوات حفيف بالقرب من الطعم، لكنه لم يستطع رؤية أي شيء بوضوح. فجأةً، لاحظ حركة غريبة، وظهر أمامه فأر بحجم لم يره من قبل! كان الفأر ضخمًا بشكل غير معقول، بحجم قطة كبيرة، وعيناه تلمعان في الظلام بشكل مرعب. تراجع عمّ صالح بخوف إلى الوراء، ولكنه أدرك أنه لا يمكنه الهروب، وأن عليه مواجهة هذا الفأر لإنقاذ محصوله.
في اليوم التالي، اجتمع عمّ صالح مع أهل القرية، وقرر أن يقص عليهم ما شاهده. اندهش القرويون وبدؤوا يفكرون في خطط للتخلص من هذا الفأر، لكنهم كانوا يخشون الاقتراب منه بعد سماع قصص حول قوته. كانوا في حيرة من أمرهم، فتقدّم عمّ صالح وقال:
- "نحن بحاجة إلى حلّ جماعي. لا أعتقد أن هناك أي شخص قادر على التخلص من هذا الفأر بمفرده."
تجمعت الأفكار والخطط، لكن الفأر كان يظهر ذكاءً خارقًا، إذ يبدو أنه كان يعلم متى يحضر القرويون للبحث عنه، فيتوارى عن الأنظار. أدرك عمّ صالح أن الأمر يتطلب استراتيجية ذكية، فاقترح إنشاء فخٍ متقن يوقع بالفأر.
بدأ القرويون ببناء الفخ في إحدى مخازن الحبوب، حيث وضعوا مجموعة من الطعوم المغرية وسط صناديق وسلال مملوءة بحبوب الذرة التي يعشقها الفأر. كانت خطتهم هي الإمساك به وهو يقترب من الطعوم التي لن يستطيع مقاومتها.
مرت أيام من الانتظار والمراقبة. كان الجميع يتخذون الاحتياطات اللازمة، إذ كان الفأر شديد الذكاء في تجنب الفخاخ البسيطة. لكن في إحدى الليالي المظلمة، تسلل الفأر إلى المخزن، وبدأ يتحرك بحذر نحو الطعوم. كانت كل خطوة له مدروسة بعناية، وكأنه يعلم بوجود خطر حوله. لكنه لم يستطع مقاومة الحبوب التي بدت طازجة وشهية.
وعندما دخل في الفخ، أغلق الباب الحديدي بسرعة خلفه، وأصبح الفأر محاصراً للمرة الأولى! تجمّع القرويون حول المخزن في فرحة غامرة، وبدؤوا يتحدثون حول ما يجب عليهم فعله به. كان البعض يقترح التخلص منه، بينما اقترح آخرون نقله إلى مكان بعيد في الجبال.
لكن عمّ صالح، الذي كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن هذه المشكلة، قرر أن ينظر إلى الفأر عن قرب ليفهم سبب حجمه وقوته. لاحظ أنه رغم ضخامته وشراسته، كان يبدو عليه بعض الضعف، وكأن هناك شيئًا غير طبيعيّ في حجمه. اقترح عمّ صالح أن يأخذ الفأر إلى المدينة، حيث يعيش عالم بيطري يعرف الكثير عن الحيوانات.
وافق الجميع على اقتراحه، وأخذوا الفأر الضخم إلى العالم البيطري الذي يدعى د. سامر. بعد فحص طويل، اكتشف الدكتور أن الفأر تعرض لمواد كيميائية غريبة ربما كانت السبب في نموه غير الطبيعي. اقترح الدكتور أنه قد يكون هناك نفايات كيميائية ألقيت بالقرب من القرية، وربما شرب الفأر من المياه الملوثة، مما أدى إلى تضخمه.
أخذ الدكتور سامر على عاتقه أن يعالج الفأر ويعيده إلى حجمه الطبيعي إن أمكن. وافق عمّ صالح وأهل القرية على الفكرة، لكنهم كانوا متوجسين قليلاً من هذه الفكرة. استغرق علاج الفأر شهورًا، وخلال هذه الفترة بدأ القرويون يشعرون بالارتياح لعدم وجود الفأر الكبير الذي كان يعيث فسادًا في محاصيلهم. وفي الوقت نفسه، أدركوا أن مسؤوليتهم الآن هي ضمان عدم تكرار هذا الأمر، وأن عليهم حماية البيئة من أي مواد كيميائية قد تؤثر على الحياة البرية.
بعد عدة أشهر من العلاج، تمكن الدكتور سامر من إعادة الفأر إلى حجمه الطبيعي، وعاد ليكون فأرًا عاديًا مثل أي فأر آخر. قرر أهل القرية إطلاق سراحه في الغابة بعيدًا عن القرية، متمنين أن يكون درسًا لهم في أهمية الحفاظ على التوازن البيئي وحماية الحياة البرية.
تغيرت حياة أهل القرية بعد هذه الحادثة. أصبحوا أكثر وعيًا بضرورة حماية بيئتهم من النفايات والمخلفات، وأدركوا أن ما حدث للفأر الضخم كان بسبب إهمال البشر وتجاهلهم لسلامة البيئة. قرروا التعاون مع الدكتور سامر لتوعية السكان بأهمية الحفاظ على نقاء المياه والتربة، وتجنب استخدام المواد الكيميائية التي قد تؤثر سلبًا على الحيوانات والنباتات.
أصبح عمّ صالح بطلًا في القرية بعد هذه الحادثة، إذ كان هو من بدأ رحلة البحث عن الحل، وتمكن من جعل الجميع يتعاونون للتخلص من المشكلة بطريقة حكيمة. وبينما كانت القرية تستعيد هدوءها ونظامها القديم، كانت هناك قصص كثيرة تُروى عن الفأر الضخم، الذي تحول من كابوس إلى حكاية ترويها الأمهات للأطفال كدرس في أهمية التعاون وحماية البيئة.
وانتهت مغامرة الفأر الضخم، لكنه بقي في ذاكرة أهل القرية كرمز للتحدي والتغلب على الصعاب بالعمل الجماعي والوعي البيئي.