📁 اخر المقالات

قصة الراعي الكذاب

 

قصة الراعي الكذاب

في قرية صغيرة محاطة بالجبال والمراعي الخضراء، كان يعيش صبيٌ صغير يُدعى كريم. كان كريم يعمل راعياً لأغنام عائلته، وهي مهنة توارثتها عائلته عبر الأجيال. كان والده وجده من أكثر الأشخاص احتراماً في القرية، حيث عُرفوا بأمانتهم وصدقهم. لكن كريم، رغم صغر سنه، كان مختلفًا. كان يمتلك طبعًا ميالًا للمزاح، ولم يكن يتردد في خداع الآخرين بغرض التسلية.

كان كريم يُخرج أغنامه كل صباحٍ إلى المراعي الخضراء على أطراف القرية. كانت الأغنام تتغذى على العشب الطازج، بينما يجلس هو أسفل شجرة كبيرة، مستمتعًا بالمناظر المحيطة. كانت الجبال تلامس الأفق، والهواء نقيًّا، والسماء زرقاء لا تعكرها سوى سحب بيضاء متفرقة. رغم جمال الطبيعة من حوله، شعر كريم بالملل من الوحدة المتكررة، فقد كان يقضي معظم وقته بعيداً عن الناس.

وذات صباح مشمس، بينما كان كريم يرعى أغنامه وحيدًا، خطرت له فكرة مزعجة. قال في نفسه: "لماذا لا أجعل يومي أكثر متعة؟ ربما لو قمت بخدعة صغيرة، فسوف أضحك وأكسر هذا الروتين الممل." ظل كريم يفكر في خدعةٍ تسلي أهل القرية، فخطرت له فكرة أن يتظاهر بوجود ذئب يهاجم أغنامه.

صعد كريم إلى قمة تل صغير يطل على القرية وبدأ يصيح بأعلى صوته:

- "الذئب! الذئب! ساعدوني! إنه يهاجم قطيعي!"

سمع أهل القرية صراخ كريم، فتركوا أعمالهم على الفور، وأخذوا أدواتهم الزراعية وهبّوا لنجدته، حيث كانوا يخشون على قطيعه من هجوم الذئاب. ركض الرجال والنساء والأطفال جميعًا باتجاه التل، بينما كان كريم ينتظرهم هناك بابتسامة ماكرة.

وعندما وصلوا إلى التل، لم يجدوا أي أثر للذئب. ضحك كريم وقال:

- "لقد كنت أمزح معكم فقط! أردت أن أرى إن كنتم ستأتون لنجدتي أم لا."

نظر أهل القرية إلى بعضهم البعض بدهشة وغضب. قال أحدهم، وهو رجل كبير يُدعى الحاج عمر:

- "هذا ليس وقت المزاح يا كريم. الذئاب خطرٌ حقيقي على أغنامك، وكان عليك أن تكون أكثر حرصًا!"

غضب أهل القرية من كريم، لكنهم عادوا إلى منازلهم دون توبيخه بشدة، فقد اعتقدوا أنه مجرد صبي صغير يحتاج إلى بعض التوجيه. لكن كريم لم يتعلم من خطئه؛ بل رأى في ردة فعلهم دليلاً على نجاح خدعته، وأخذ يفكر في تكرار الأمر لمزيد من التسلية.

بعد أيام قليلة، وفي صباح آخر، عاد كريم إلى نفس الفكرة. شعر بالملل مجددًا، وقرر تكرار خدعته. صعد إلى التل مرة أخرى وبدأ يصيح بأعلى صوته:

- "النجدة! الذئب! إنه يهاجم قطيعي!"

هذه المرة، تردد بعض القرويين قبل أن يأتوا، لكن صراخ كريم كان مستمرًا، فاعتقدوا أن الأمر جدي، فتركوا أعمالهم وركضوا إلى التل. وعندما وصلوا، وجدوا كريم يضحك مجددًا وقال:

- "لقد كنت أمزح! لا يوجد ذئب!"

هذه المرة، كان غضب أهل القرية أكبر. وقال أحد الشبان، واسمه أحمد:

- "كريم، إن هذا السلوك غير مقبول. إن كنت ستستمر في الكذب، فلن نصدقك عندما تكون بحاجة فعلية للمساعدة!"

لكن كريم استمر في الضحك، معتقدًا أن الأمر لا يتجاوز المزاح.

ومرت الأيام، حتى جاء يومٌ لم يكن كريم يتوقعه. في صباحٍ هادئ وسماء ملبدة بالغيوم، خرج كريم بقطيعه إلى المراعي كعادته. وبينما كان يرعى الأغنام، لاحظ حركة مريبة بين الأعشاب الطويلة على بُعد خطوات قليلة. حاول التركيز، وبسرعة أدرك أن هنالك ذئباً حقيقياً يقترب من قطيعه.

شعر كريم برعب حقيقي هذه المرة. الذئب كان أكبر مما تخيله، وكان يتقدم نحو الأغنام بسرعة وبخطوات واثقة. تمالك كريم نفسه وبدأ يصيح بأعلى صوته:

- "النجدة! النجدة! الذئب! إنه هنا بالفعل، ساعدوني!"

ولكن صراخه لم يكن مجدياً هذه المرة، فالقرويون فقدوا الثقة به تمامًا. سمعوا صراخه من بعيد، وابتسم بعضهم بسخرية، وقال أحدهم:

- "ها هو كريم يبدأ مزاحه مرة أخرى. دعوه يتعلم من كذبه."

ورغم استمراره في الصراخ، لم يأتِ أحد لمساعدته. وجد كريم نفسه وحيدًا، وعاجزًا عن حماية قطيعه. وفي لحظاتٍ قصيرة، انقض الذئب على الأغنام، وبدأ يهجم عليها واحدة تلو الأخرى.

حاول كريم بائسًا أن ينقذ ما تبقى من القطيع، لكنه كان صغيرًا وضعيفًا، ولم يستطع فعل شيء أمام قوة الذئب. كان يشاهد بألم الذئب وهو يفتك بأغنامه، وشعر بالندم الشديد على كذبه السابق.

بعد فترة، تراجع الذئب واختفى في الغابة، تاركاً خلفه قطيعًا ممزقًا، وأغنامًا مصابة. بكى كريم بمرارة على خسارته، وشعر بوحدة لا تحتمل.

وفي وقتٍ لاحق، عاد كريم إلى القرية وهو منهك، وعيناه متورمتان من البكاء. تجمع أهل القرية حوله، وسأله الحاج عمر بصرامة:

- "ماذا حدث؟"

روى كريم ما حدث بتفاصيله، واعترف بخطئه. قال لهم:

- "لقد كان الذئب حقيقيًا هذه المرة، ولم يصدقني أحد بسبب كذبي السابق. لقد فقدت قطيعي، وأدركت الآن أن الكذب لا يجلب إلا الخراب."

صمت أهل القرية، وشعروا بالأسى تجاهه، لكنهم أدركوا أنه يستحق درسًا قاسيًا ليعرف قيمة الصدق. وأخذوا يتحدثون إليه عن أهمية الثقة، وكيف أن الكذب يدمّر العلاقات بين الناس، وأنه إذا فقدت الثقة، يصبح من الصعب استعادتها.

أدرك كريم أنه أضاع فرصة ثمينة بسبب كذبه، وعاهد نفسه أن يكون صادقًا في كل ما يقول ويفعل، وأن يحافظ على ثقة أهل القرية به.

وبعد تلك الحادثة، تغيّر كريم كثيرًا. أصبح معروفًا في القرية بصدقه واجتهاده، وصار يُعامل الآخرين باحترام. لكنه ظل يحمل معه درسًا لن ينساه أبدًا: أن الكذب، حتى لو كان صغيرًا، قد يجلب نتائج وخيمة لا يمكن تداركها.

وهكذا، عاش كريم بقية أيامه مخلصًا وعمل جاهدًا على استعادة ثقة الناس به.

اقرأ كذلك قصة رحلة في الغابة: مغامرة النجاة

اضغط هنا

Mohamed Ben Chaayab
Mohamed Ben Chaayab
تعليقات