📁 اخر المقالات

قصة ليلى والغول

 

قصة ليلى والغول:

في قريةٍ صغيرة بعيدة عن المدن، محاطةٍ بالغابات الكثيفة والمروج الواسعة، كانت تعيش فتاة تُدعى ليلى. لم تكن ليلى كأي فتاة أخرى؛ فقد كانت تملك شغفًا كبيرًا بالاستكشاف، وكانت تحب قراءة الحكايات القديمة والقصص الأسطورية، والتي كان يحكيها لها جدها كل ليلة. وكانت تلك القصص تدور حول مخلوقات غريبة، وأماكن خفية، وأسرار مخبأة في قلب الطبيعة. لكن أكثر قصة أثارت فضول ليلى كانت قصة الغول الذي يسكن في الكهف المظلم الموجود في قلب الغابة.

كانت القصة تقول إن هناك غولًا رهيبًا يعيش وحده في ذلك الكهف، ويُقال إنه لا يخرج إلا في الليالي المظلمة. وقد حذر أهل القرية الأطفال والشباب من الاقتراب من الغابة ليلاً، خوفًا من هذا الغول. لكن ليلى لم تستطع أن تكبح فضولها؛ ففكرت كثيرًا في الغول، وتسألت: "لماذا يعيش وحده؟ وهل هو حقًا مخيف كما يقولون؟"

كان والد ليلى يعمل في الحقول، وكان شديد الحذر عليها، حيث كان دائمًا يحذرها من الاقتراب من الغابة، لا سيما عند اقتراب الظلام. ومع ذلك، لم تستطع ليلى أن تتجاهل رغبتها الشديدة في معرفة حقيقة الغول. وفي يومٍ من الأيام، قررت أن تذهب إلى الكهف بنفسها وتكتشف الأمر.

بدأت ليلى خطتها سراً؛ فهي تعرف أن أهلها لن يسمحوا لها بالخروج إلى الغابة، فضلاً عن الاقتراب من الكهف. أعدت حقيبة صغيرة ووضعت فيها بعض الطعام والماء، وانتظرت حتى يحين الفجر. وفي صباح اليوم التالي، وقبل أن يستيقظ أهلها، انطلقت ليلى بهدوء من منزلها وتوجهت إلى الغابة.

كانت الغابة هادئة، ولم يكن هناك صوت سوى زقزقة العصافير وحفيف أوراق الأشجار. شعرت ليلى ببعض الخوف، لكنها كانت مصممة على المضي قُدمًا. وكلما توغلت أكثر في الغابة، شعرت بأنها تدخل عالمًا مختلفًا عن عالمها في القرية. الأشجار كانت كثيفة، والأجواء باردة، وكانت الظلال تلقي بجوٍ غامض حولها.

بعد ساعاتٍ من المشي، بدأت تشعر بالتعب، لكنها لم تستسلم. أخيرًا، وصلت إلى المنطقة التي يوجد فيها الكهف، وكان المدخل مظلمًا وباردًا. وقفت أمامه تتأمل؛ كان هنالك شعور بالخوف، لكنه امتزج برغبة كبيرة في الاستكشاف.

وقفت ليلى لحظةً تتنفس الصعداء، ثم أطلقت زفرة حماس وقالت بصوتٍ خافت: "حسنًا، لن أعود الآن، جئت لأعرف الحقيقة."

ما إن خطت أول خطوة نحو داخل الكهف، حتى سمعت صوتًا غليظًا وعميقًا يردد من الداخل:

- "من تجرأ على دخول كهفي؟!"

توقفت ليلى فجأة، وشعرت بقلبها ينبض بشدة، لكنها تماسكت وأجابت بصوتٍ مرتجف قليلاً ولكن بشجاعة:

- "أنا ليلى، جئت لرؤيتك."

ظهر الغول أخيرًا من ظلام الكهف، وكانت عيناه تتوهجان بنور خافت، وكان جسده كبيرًا يغطيه الشعر الكثيف، ويبدو متعبًا وشاحَب الملامح. لكنه لم يكن كما تصورته القصص التي سمعتها؛ بدا وكأنه مخلوق حزين أكثر من كونه مخيفًا.

سألها الغول بصوت مبحوح:

- "لماذا تجرأتِ على القدوم إلى هنا؟ ألم تخافي مني؟"

أجابت ليلى بشجاعةٍ:

- "سمعت الكثير عنك، وأردت أن أعرف حقيقتك بنفسي."

نظر إليها الغول بتعجب، ثم قال:

- "لقد كان البشر دائمًا يخافون مني، لم يجرؤ أحد على القدوم إلى هنا من قبل."

جلست ليلى على صخرة قريبة، وبدأت تسأله عن حياته ولماذا يعيش وحده. وبدأ الغول يسرد قصته؛ فقد كان يعيش بين البشر في الماضي، لكنه كان مختلفًا عنهم، وكانت ملامحه غير مألوفة، فخافوا منه وطردوه. حينها قرر أن يعيش بعيدًا عنهم، واختار الغابة ملاذًا له.

تعاطفت ليلى مع الغول، وشعرت بحزن عميق تجاهه. قالت له:

- "أنا آسفة لما حدث لك. الناس أحيانًا يحكمون على الآخرين بناءً على مظهرهم فقط."

ابتسم الغول ابتسامة حزينة وقال:

- "لقد اعتدت على ذلك، وأصبحت وحدتي صديقي."

قضت ليلى ساعاتٍ تتحدث معه، واكتشفت أنه لم يكن سوى مخلوق وحيد يبحث عن الأمان. أخبرها عن العديد من القصص المثيرة من الماضي، وعن مغامراته عندما كان يتجول في الغابات البعيدة قبل أن يقرر الاستقرار في هذا الكهف.

حين حلّ الظلام، ودّعته ليلى ووعدته بالعودة مجددًا لزيارته. عادت إلى قريتها لكنها احتفظت بسر الغول لنفسها، حيث شعرت أنه لا أحد سيصدقها، وقد يزيدون من خرافاتهم حوله.

مرت الأيام، وأصبحت ليلى تزور الغول بانتظام، وتستمع إلى قصصه، وأحيانًا كانت تجلب له بعض الطعام من قريتها. وشيئًا فشيئًا، نشأت بينهما صداقة عميقة، وتحول الغول من مخلوق مخيف إلى صديق مقرب، يتبادل معها الحديث ويضحك معها.

وذات يوم، وبينما كانا يجلسان معًا، أخبرها الغول أن هنالك سرًا كبيرًا في الغابة. أخبرها عن شجرة قديمة مسحورة تقع في قلب الغابة، وقال إنه يعتقد أن هذه الشجرة تحمل سرًا قد يساعده على التخلص من الوحدة ويعيد له بعضًا من الحياة التي فقدها.

تحمست ليلى لهذه الفكرة، وقررت مساعدته في العثور على الشجرة. كان عليهما أن يجتازا طرقًا وعرة وأن يتفاديا المخاطر التي تملأ الغابة. ومع ذلك، لم تتردد ليلى في مساعدته.

انطلقا سويًا، وعبروا الغابة بحثًا عن الشجرة. واجها الكثير من التحديات؛ من الأنهار الجارفة إلى الحيوانات البرية. ولكن بفضل شجاعتهما وتعاونهما، تمكنوا من الوصول إلى مكان الشجرة المسحورة.

كانت شجرة ضخمة، أوراقها تلمع بلون ذهبي، وكأنها مضاءة من الداخل. همس الغول: "هذه هي الشجرة التي سمعت عنها في الأساطير، إنها شجرة الأمل."

اقتربا من الشجرة، وبدأ الغول يتحدث معها، طالبًا منها أن تساعده في التخلص من الوحدة التي عاشها لسنوات. وفجأة، أضاءت الشجرة بألوان زاهية، وسرعان ما شعر الغول بأن شيئًا ما تغير داخله؛ فقد تحرر من حزنه وشعر بالسلام الداخلي.

عادت ليلى والغول إلى الكهف، وكان الغول مختلفًا؛ فقد عادت الابتسامة إلى وجهه، وأصبح أكثر سعادة. وفي الأيام التالية، بدأ أهل القرية يلاحظون التغيير في الغابة، فقد كانت الحيوانات أكثر ودًا، والأشجار أكثر خضرة. شعر الجميع بأن الغابة أصبحت مليئة بالحياة.

أصبحت ليلى والغول صديقين مقربين، واستمرت بزيارته ومشاركة مغامراتهما الجديدة.

اقرأ قصة الراعي الكذاب

اضغط هنا

Mohamed Ben Chaayab
Mohamed Ben Chaayab
تعليقات