تحضير نص القهوة الخالية (الثانية إعدادي)

نص القهوة الخالية (الثانية إعدادي)

المجال: الاجتماعي والاقتصادي
المكون: القراءة
العنوان: القهوة الخالية
الكتاب المدرسي: في رحاب اللغة العربية

نص الانطلاق:

قَالَ محمد الرشيدي بنبرة أرعشها الحزن والانفعال:

_ إِلَى رحمة الله الرحيم، إِلَى جوار ربك الكريم يا زاهية يا رفيقة عمري. وانتحب باكيا وَهُوَ ينحني فَوْقَ الجثة المسجاة عَلَى الفراش، حتی رحمته الخادم العجوز فربتت عَلَى يده برقة ثُمَّ أخذته مِنْهَا إِلَى حجرة الجلوس فأسلم نفسه إِلَى مقعد کَبِير وَهُوَ يتنهد بصوت مسموع. ثُمَّ غمغم:

– أنا الآن وحدي، بلا رفيق، لِمَ تركتني يا زاهية ؟

وعزَّته الخادم بعبارات محفوظة غير أن منظر شيخ فِي التسعين وَهُوَ يبكي منظرٌ محزن حقا. التمعت أخاديد خديه بالدموع، فغادرت الخادم الحجرة وَهِيَ تجهش فِي البكاء. وأغمض عينيه وراح يقول:

– مُنْذُ أَرْبَعِينَ عاما تزوجتك وأنت فِي العشرين، وكنت خير رفيق، فإلى رحمة الله.

كَانَ ذا صِّحَة جيدة إِذَا قيس بعمره، طويلا نحيلا، واختفى أديم وجهه تماما تحت التجاعيد والأخاديد، وبرزت عظامه و تحددت كأنها جمجمة، وأَمَّ الجنازة خلق كثيرون جاءوا يعزون ابنه، أَمَّا هُوَ فَلَمْ يبق من أصحابه عَلَى قيد الحياة أحد.

وعندما انفض المأتم زهاء منتصف الليل سأله ابنه صابر:

– ماذا نويت أن تفعل يا أبي؟ وَقَالَتْ لَهُ زوجته ابنه:

– لَا يجوز أن تبقى هُنَا وحدك.. 

أدرك الشيخ مَا يقصدان فاتشكی قائلا: 

– كَانَت زاهية كل شيء لِي، كَانَ عقلي ويدي.

فقال صابر:

– بيتي هُوَ بيتك، وستحل بحلولك بنا البركة، وستجيء خادمتك مباركة لخدمتك.

ورغم مَا يبدي ابنه و وزوجته من شعور طيب فهو يؤمن بأنه – بانتقاله- سيفقد الكثير من حريته وسيادته وَلَكِن مَا الحيلة؟!.. وبطرف واجم غادر بيته إِلَى مصر الجديدة فِي سيارة ابنه، وهنالك أُعِدَّت حجرة لنومه وتأهبت مباركة العجوز لخدمته وَقَالَ لَهُ ابنه : نحن جميعا رهن إشارتك.

وابتسمت منيرة زوجة صابر ابتسامة ترحاب. روح طيبة حقا ولكنه لَا بيت لَهُ. ذَلِكَ كَانَ الشعور الَّذِي اجتاحه وجلس عَلَى مقعده الكبير يبادلها النظرات فِيمَا يشبه الحياء.

وَقَالَ صابر: إني أفرغ من عملي مساء ثُمَّ أذهب إِلَى النادي أنا ومنيرة فَهَلْ تأتي مَعَنَا؟ فقال الشيخ: لَا تشغل نفسك بي ودَعِ الأمور تجبر عَلَى طبيعتها.

ذهب صابر ومنيرة بالوحدة ليستجم، وَلَكِن الوحدة ثقلت عَلَيْهِ بأسرع مِمَّا تصور. وألقى نظرة غير مكترثة عَلَى الحجرة ثُمَّ طوقته الوحشة.

وعجب للصمت المريح ولكنه أَكَّدَ لله وحدته. ورجع إِلَى مجلسه فرأى عِنْدَ أسفل المقعد قطة صغيرة. فآنس فِي نظرة عينيها الرماديتين استعدادا للتفاهم. وارتاح إِلَى نظرتها ثُمَّ تابعها وَهِيَ تدور حول رجل المقعد وربت عَلَى ظهرها.

عِنْدَ الأصيل عاد صابر من عمله فقال لأبيه:

– مَا دمت لَا تُرِيدُ أن تذهب مَعَنَا إِلَى النادي فاختر مقهى فِي مصر الجديدة، مقاهي مدينتنا جميلة وقريبة من البيت.. قَد يكون هَذَا هُوَ المعقول ولكنه يحب قهوة مَتَاتِيَا. إِنَّهَا مجلسه المختار طيلة دهر طويل. ومضى إِلَى محطة الأوتوبيس، وَهُوَ يسير وئيدا، وَلَكِن بقامة مرتفعة ويستعمل العصا ولكنه لَا يتوكأ عَلَيْهَا. اتخذ مجلسه بالقهوة وَهُوَ يقول لنفسه فِيمَا يشبه المداعبة: “مَا بال القهوة خالية!” وَلَمْ تكن القهوة خالية، ولكنها خلت من الأصحاب والمعارف. وَمِنْ عادته أن يرنو إِلَى الكراسي الَّتِي حملت قديما الأعزاء الراحلين يتخيل وجوههم وتحركاتهم، والمناقشات حول أخبار السياسة. قضى الله أن يشيعهم واحدا بعد آخر وَأَن يبكيهم جميعا. وجاء زمن لَمْ يجد فِيهِ من رفيق سوى واحد، هُوَ علي باشا مهران. وهذا الكرسي كَانَ مجلسه، يجلس عَلَيْهِ قصيرا نحيلا مكوما فَوْقَ عصاه وحافة طربوشه تُمَاسُّ حاجيه الأشيبين النافرين، ويرمقه بنظرة هشة شبه دامعة من نظارة كحيلة ثُمَّ يتساءل ضاحكا:

– من مِنَّا یا تری سيسبق صاحبه؟

كَانَت يداه قَد استوطنتها رعشة الكبر رغم أَنَّهُ كَانَ يصغره بعامين. ولما مات فِي الخَامِسَة والثمانين حزن عَلَيْهِ طويلا، وَمِنْ بعده خلت الدنيا وخلت القهوة. وهاهي العتبة الخضراء تدور كعادتها أَمَامَ عينيه الكليلتين ولكنها ميدان جديد. ومَاتَاتِيَا نفسها لَمْ يبق من أصلها إلَّا الموضع، وَلَكِن أَيْنَ صاحبها الرومي الودود، وَأَيْنَ النادل ذو الشوارب البلقانية والكراسي المتينة البنيان والمرايا المصقولة؟. وَفِي ليلة شم النسيم أحيل إِلَى المعاش، وسهر ليلتها فِي مسرح الأزبكية هُوَ ومجموعة من الأصدقاء حَيْتُ جلجل صوت الطرب، أَمَّا النهار فقد قضوه فِي القناطر الخيرية محتفلين بوداعه وألقى الشيخ إبراهيم زناتي قصيدة بالمناسبة.

ولما نام آخر الليل حلم بأنه يلعب فِي الجنة، وَدَعَا لَهُ صديقه إبراهيم زناتي بمائة عام مِنْ العُمْرِ المديد فِي قصيدته، والدعوة يَبْدُو أَنَّهَا ستستجاب، وَلَكِن القهوة خالية.

والشيخ زناتي نفسه رحل وَهُوَ مَا يزال فِي الخدمة. واقترب النادل مِنْهُ ليأخذ الصينية ولكنه تراجع كالمعتذر، فذكره بفنجان القهوة المنسي الَّذِي لَمْ يمسه.

وعندما رجع إِلَى البيت وجده راقدا فِي السكون، وصاحبه لَمْ بعد من النادي، غير ملابسه فِي بطء وجهد ودون معاونة أحد وجلس لتناول العشاء فتذكر القطة. لو تشاركه القطة الصغيرة عشاءه..! مَا ألطف أن يوثق علاقته بِهَا فَهِيَّ ستكون أنيسه الحقيقي فِي هَذَا البيت المشغول بنفسه.

المجموعة القصصية (بيت سيء السمعة)، مطبوعات مكتبة مصر - القاهرة ص ص 63-73 (بتصرف).

أولا: تأطير النص وملاحظته:

1. تأطير النص:

أ. صاحب النص:

هُوَ الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ، المزداد بالقاهرة سنة 1911م، وَهُوَ أول عربي يحصل عَلَى جائزة نوبل للآداب سنة 1988م، حصل عَلَى الإجازة فِي الفلسفة سنة  1934، ثُمَّ تخصص فِي الآداب، شغل عدة مناصب فِي وزارات وإدارات متعددة، بدأ الكتابة مبكرا، توقف نجيب محفوظ عَنْ الكتابة بعد الثلاثية، ودخل فِي حالة صمت أدبي، انتقل خلاله من الواقعية الاجتماعية إِلَى الواقعية الرمزية.

من مؤلفاته:

  • بداية ونهاية (1949)
  • اللص والكلاب (1961)
  • السمان والخريف (1962)
  • الحب تحت المطر (1973)
  • الكرنك (1974)
  • حكايات حارتنا (1975)
  • قلب الليل (1975)
  • بَيْنَ القصرين (1956)
  • قصر الشوق (1957)
  • السكرية (1957)

ب: نوع النص ومصدره:

نص مسترسل، مقتطف من المجموعة القصصية "بيت سيء السمعة" مطبوعات مكتبة مصر - القاهرة ص ص 63-73 (بتصرف).

ج: مجال النص:

يندرج النص ضمن المجال الاجتماعي والاقتصادي.

2. ملاحظة النص:

أ. قراءة في العنوان:

+تركيبيا: جاء العنوان مركبا وصفيا، (القهوة: موصوف)، (الخالية: صفة).

+دلاليا: يشير العنوان إلى فضاء لاحتساء القهوة خالٍ من الزوار.

ب. قراءة في الصورة:

رسم ملون يعكس مشهدا لجانب من مقهى فيها بعض الزبناء، يتقدمهم رجل مسن تبدو عليه علامة الحزن.

ج. علاقة العنوان بالصورة:

علاقة تضاد تعكس الحالة النفسية للشخص المسن، فرغم أن المقهى غير خالية إلا أنه يراها كذلك نظرا لنفسيته المضطربة وإحساسه بالوحدة بعد فقدان زوجته وأقرانه.

د. فرضية القراءة:

انطلاقا من تحليلنا لعتاب النص نفترض أنه يتحدث عن رجل ماتت زوجته وتركته يعيش الوحدة والوحشة، وعن المقهى التي يتخيلها خالية بعد أن توفي أصدقاؤه ورحلوا إلى دار البقاء.

ثانيا: فهم النص

1. الشرح اللغوي:

انتحب

بكى بكاءً شديدا

المسجاةالمغطاة بثوب
أديم الوجهسحب، جلده
أمَّ الجنازة

مشى في مقدمتها.

المأتم

اجتماع الناس من أجل التعزية
واجمعابس من شدة الحزن

2. الحدث العام:

شعور محمد الرشيدي بالحزن العميق والوحدة بعد وفاة زوجته، وتزايد إحساسه بالحزن بعد ذهابه للقهوة الَّتِي صارت فارغة من أصدقائه ومعارفه.

3. الأفكار الجزئية:

  • حزن محمد الرشيدي عَلَى وفاة زوجته ومواساة الخادم لَهُ.
  • اقتِرَاح صابر عَلَى أبيه الانتقال للعيش مَعَهُ فِي بيته.
  • شعور محمد الرشيدي بالوحدة فِي منزل ابنه.
  • خروجه إِلَى مقهى ماتاتيا حَيْتُ كَانَ يلتقي بأصدقائه مُنْذُ زمن.
  • تزايد إحساس بالوحدة بعدما وجد المقهى خاليا من أصدقائه اللَّذِينَ توفوا جميعا قبله.
  • عودته لمنزل ابنه واتخاذه القطة مؤنسة لوحدته.

ثالثا: تحليل النص:

1. دراسة الشخصيات:

الشخصية

نوعها

صفاتها

محمد الرشيدي

رئيسية

محب لزوجته، حزين عَلَى وفاتها، وحيد...

صابر

ثانوية

محب لأبيه،  مشفق عَلَى أبيه، مشغول بعمله وأسرته...

زوجة صابر

ثانوية

مشفقة على أب زوجها

الخادمة

ثانوية

مشفقة على محمد الرشيدي

التعليق على الجدول: نلاحظ أن الشخصية الرئيسية محطَّ إشفاق من جميع الشخصيات، نظرا للمصاب الذي ألمَّ بها.

2. سيرورة الحدث (الخطاطة السردية):

البداية

عمليات التحول

النهاية

الحدث المحرك

العقدة

الحل

ــــــــــــــــ

وفاة زوجة محمد الرشيدي

شعور الرشيدي بالحزن والوحدة

انتقاله إِلَى منزل ابنه.

ـــــــــــــــــ

ـــــــــــــــ

انتقاله إِلَى منزل ابنه

شعوره بالوحدة مجددا

الذهاب إِلَى مقهى أصدقائه

ــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــ

فراغ المقهى من أصدقائه القدامى

تزايد حزنه ووحدته

العودة إِلَى المنزل واتخاذ القطة مؤنسا لَهُ

نهاية مفتوحة


2. الأمكنة وصفاتها:

الأمكنة

صفاتها

حجرته في منزل ابنه

موحشة، صامتة، تؤكد وحدته

المقهى

خالية من الأصحاب، تذكره بأصحابه

التعليق على الجدول: نلاحظ أن معظم الأمكنة تدل عَلَى الوحشة والوحدة، فحب محمد الرشيدي لَمْ يكن متعلقا بالأمكنة بَلْ بالأشخاص اللَّذِينَ ملأوا تِلْكَ الأمنة ذات يوم، فعندما غابوا، تراجعت قيمة المكان، وكما قال الشاعر قيس بن الملوح: وما حب الديار شغفن قلبي.. ولكن حب من سكن الديار.

3. أساليب النص:

كطبيعة معظم النصوص السرديّة فالنص يراوح في توظيف السرد والوصف والحوار والاسترجاع، ومن أمثلة ذلك من النص:

السرد: ومثال ذَلِكَ:
  • غادر بيته إِلَى مصر الجديدة فِي سيارة ابنه، وهنالك أُعِدَّت حجرة لنومه وتأهبت مباركة العجوز لخدمته.
الوصف: وَمِنْ أمثلته فِي النص:
  • يجلس عَلَيْهِ قصيرا نحيلا مكوما فَوْقَ عصاه وحافة طربوشه تُمَاسُّ حاجيه الأشيبين النافرين، ويرمقه بنظرة هشة شبه دامعة من نظارة كحيلة.

الحِوَار: يحضر الحِوَار بنوعيه، ومن أمثلته في النص ما يلي:

أ. الحِوَار الخارجي: أي الحِوَار بَيْنَ الشخصيات، ومثاله من النص:
  • ماذا نويت أن تفعل يا أبي؟ وَقَالَتْ لَهُ زوجته ابنه:
  • لَا يجوز أن تبقى هُنَا وحدك.. 
  • أدرك الشيخ مَا يقصدان فتشكی قائلا: 
  • كَانَت زاهية كل شيء لِي، كَانَ عقلي ويدي..

ب. الحِوَار الداخلي: وَهُوَ الحِوَار تجريه الشخصية داخليا بينها وبين نفسها، ومثاله من النص:

– أنا الآن وحدي، بلا رفيق، لِمَ تركتني يا زاهية ؟

4. قيم النص:

قيمة اجتماعية: تتمثل في أهمية الاعتناء بالمسنين، خصوصا من الناحية النفسية.

رابعا: التركيب

تأسيسا على ما سبق نستنتج أن النص سردي ذو بعد اجتماعي، يحكي فيه محمد الرشيدي عن قصته، فهو رجل كبير في السن ومتقاعد، ماتت زوجته وتركته وحيدا يعاني ألم الوحدة. حتى المقهى التي يرتادها أصبحت تبدو له موحشة خالية، رغم أنها مليئة بالناس. والسبب في ذلك وفاة أصحابه كذلك. هذا الوضع جعل حالته النفسية تزداد سوءًا. ومحمد الرشيدي نموذج لمعاناة العديد من المسنين اللَّذِينَ يعانون الوحدة والعزلة بعد وفاة كل من كان يقاسمهم اهتماماتهم، لذلك يَجِبُ علينا تفهم وضعهم ومساعدتهم عَلَى تخطي وحدتهم.

Mohamed Ben Chaayab
Mohamed Ben Chaayab
تعليقات